egyption1

الخميس، مارس ٢٩، ٢٠٠٧



مؤتمر القاهرة الخامس
منتدى القاهرة الاجتماعي الثالث
29 مارس/1 أبريل 2007 – نقابة الصحفيين المصريين
"من أجل بناء تحالف عالمي بين القوى المقاومة للإمبريالية والصهيونية"
المنتدى العمالي


استمرار عدوان الليبرالية المتوحشة
علي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية
للكادحين في مصر



إعداد
إلهامي الميرغني

مارس 2007


يعاني الكادحون المصريون علي مدي العقود الماضية من استمرار هجوم قوي الليبرالية الجديدة تنفيذا لتوصيات منظمات العولمة الدولية وضغوط الشركات الدولية النشاط.ولو حاولنا رصد العدوان المستمر علي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للكادحين في مصر سنجد أنها متسعة كما يتضح مما يلي:

1 ـ العدوان علي حقوق الفلاحين المصريين:
تعرض الفلاحون لهجمة كبيرة علي مدي السنوات الماضية كان من أبرز ملامحها:
ـ صدور القانون رقم 96 لسنة 1992 الخاص بالإيجارات الزراعية والذي ضاعف إيجار الأرض الزراعية من سبعة أمثال الضريبة إلي أثنين وعشرين مثل الضريبة مع إعطاء صاحب الأرض حق طرد الفلاح في أي وقت إذا تأخر عن سداد الإيجارات.
ـ قامت ثورة يوليو بتوزيع الأرض الزراعية على المزارعين بعد صدور قوانين الإصلاح الزراعي منذ عام 1952 وحتى عام 1964 ثم تم إصدار قرارات بإلغاء الحراسة عن بعض الإقطاعيين ورد الأرض لورثة الإقطاع وكبار الملاك ومنذ عام 1970 تواطئت الحكومة مع كبار الملاك ورغم سداد فلاحي الإصلاح الزراعي لكامل قيمة الأرض علي مدي أربعين سنة لم يحصلوا علي صكوك الملكية وتم طردهم من الأرض بالقوة في كمشيش وميت شهالة ودكرنس وسراندوا والعديد من القرى المصرية.
ـ توجد عدة مشاكل مرتبطة بمياه الري حيث أن الاتجاه لخصخصة مياه الري يجري علي قدم وساق وسيتكلف الفدان الواحد ‏1.026 ‏ جنيها بخلاف رسم الدمغة وضريبة المبيعات وتكاليف السولار والزيت وعمالة التشغيل ونسبة إهلاك ماكينات الرقع ليصل إجمالي تكلفة الفدان للري فقط‏(1.300‏ جنيه‏)‏ مما يمثل عبئا كبيرا علي المزارع البسيط والمستثمر الكبير في ظل تدني أسعار بيع المنتجات الزراعية‏, ‏ والارتفاع المستمر في تكاليف الإنتاج الزراعي‏(‏ تكاليف الحرث ـ الأسمدة والمخصبات ـ المبيدات ـ العمالة‏)‏ مما ينذر بخراب لأصحاب الأراضي خاصة الملاك والمنتفعين من الخريجين في مناطق مريوط وشمال التحرير وبنجر السكر إذا طالهم غول الخصخصة‏.‏ ( جريدة الأهرام 20 يوليو 2005 ) .
ـ تتزايد مديونية الفلاحين لبنوك التنمية والائتمان الزراعي حتى وصلت إلي أكثر من 5 مليار جنيه.
ـ زيادة العدوان علي الأرض الزراعية حيث أكد تقرير للجنة الإسكان بمجلس الشعب أن 1.2 مليون فدان استقطعها البناء من الأراضي الزراعية منذ عام 1983 وحتى الآن تمثل 20% من مساحة الأراضي القديمة في الوادي والدلتا( جريدة العالم اليوم ـ 10/3 /2005) وتفقد مصر سنويا‏ 60 ‏ألف فدان نتيجة الامتداد‏العمراني ، وطبقا لهذا النزيف فإن أراضي مصر الزراعية سوف تختفي تماما في عام‏ 2075 ( جريدة الأهرام ـ 23/10/ 2003) ورغم ذلك صدرت قرارات جديدة تسمح بالبناء علي الأراضي الزراعية بما يساهم في أهدار الثروة المصرية.
ـ إلغاء الدورة الزراعية وتحرير الأسواق ودخول الشركات الكبرى لمجال الاستثمار الزراعي بما يهدد مصالح أكثر من 90% من الفلاحين ملاك المساحات الصغيرة ، كما أن تحرير الأسواق ساهم في رفع تكلفة الإنتاج الزراعي نتيجة سيطرة الشركات المتعددة الجنسية علي الأسواق الدولية للمستلزمات الزراعية مما رفع من تكلفة الزراعة وطرد ألاف الفلاحين للبطالة في المدن الكبرى.
ـ بعد أن ظل المصريين لسنوات يقدسون نهر النيل والأرض الزراعية مصدر الخير أصبح نهر النيل من أكبر مصادر التلوث وتآكلت الأرض الزراعية وتراجعت مساهمة الزراعة في الناتج القومي بما ينعكس علي مستقبل المصريين لسنوات قادمة ويجعلهم يعتمدون علي الخارج لتأمين غذائهم وكسائهم.كما أدي التوسع في استخدام المبيدات والأسمدة الكيماوية إلي تدهور جودة الأراضي الزراعية وتلوثها وتلوث المنتجات الزراعية بما ينعكس علي تدهور صحة المصريين.

وصل عدد القتلى بسبب الأرض خلال عام 2006 إلى أكثر من 70 قتيل وإصابة أكثر من 300 فلاح وتم القبض على أكثر من 700 أخرون كما أدت أحداث العنف في الريف المصري خلال عام 2005 إلى مقتل 83 فلاح وإصابة 367 فلاح والقبض على 821 أخرون ( تقارير مركز الأرض ).هكذا يناضل الفلاحون المصريون لمواجهة هجوم الليبرالية الجديدة.

2 ـ حق السكن:
منذ أيام أحترق أكثر من 250 كشك خشبي في أحد أحياء القاهرة الفقيرة حيث يسكنون الأكشاك الخشبية منذ عام 1992 في انتظار مساكن آدمية تليق بهم وهو ما لم يحدث، ومنذ أطلقت الدولة يد القطاع الخاص في الاستثمار العقاري وخصخصة شركات الاسمنت وأصبحت صناعة الحديد والأسمنت تحت سيطرة الاحتكارات الدولية والمحلية الأمر الذي انعكس علي ارتفاع تكلفة السكن الذي أصبح حلم الفقراء ومحدودي الدخل.
فقد أصدرت الحكومة قانون جديد لإيجارات المباني برقم 4 لسنة 1996 والذي فتح باب رفع القيمة الايجارية أمام ملاك العقارات. وبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود علي تحرير قطاع العقار وعشر سنوات علي القانون الجديد استمر العدوان علي الأراضي الزراعية لأغراض البناء وأصبحت الشقة‏..‏ حلم البسطاء ( جريدة الأهرام 17/7/2004)، وأصبح لدينا‏ 17مليون شخص يعيشون في‏1.109 منطقة عشوائية في‏20‏ محافظة يحتاجون ‏15‏ مليار جنيه لتطوير العشوائيات ( جريدة الأهرام 27 /5/ 2004 )، إضافة لحرمان ملايين المصريين من المياه النقية والصرف الصحي.

بعد تحويل المياه من هيئة عامة إلي شركات تمهيداً لخصخصتها اشتعلت أسعار المياه و‏‏تضاعف سعر متر المياه من‏12‏ إلي‏23‏ قرشا(مجلة الأهرام الاقتصادي 11/10/2004)، كما اعترفت الحكومة: أن مصر تشرب مياها ملوثة حيث توجد 13 محافظة تجاوزت حدود نسبة التلوث ( جريدة الوفد 25/6/2005).

كما انعكست سياسات الليبرالية الجديدة علي أسعار الكهرباء والهاتف وأصبح المواطن المصري يئن من ارتفاع قيمة فواتير الاستهلاك، وأطلقت يد القطاع الخاص في النظافة فتراكمت القمامة في شوارع المدن وارتفعت نسب التلوث وفشلت الشركات الأجنبية والقيادات المحلية الفاسدة في مواجهة المشكلة.

3 ـ الحق في العمل:
لقد أدت سياسات الليبرالية الجديدة وتوصيات مؤسسات العولمة المتوحشة إلي تراجع الاستثمارات الإنتاجية القادرة على توليد فرص العمل وعدم قدرة القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي على توليد فرص عمل تكفي لاستيعاب الداخلين الجدد لسوق العمل. مع تزايد أعداد الخريجين وتوقف الدولة عن تعيين الخريجين وتوقف دورها في بناء المشروعات الإنتاجية تفجرت مشكلة البطالة بشكل سافر.

تشكل البطالة إهدار للثروة البشرية لو حسبنا مقدار ما انفق على تعليم هؤلاء العاطلين والذي أصبح استثمار معطل، إضافة إلي إن هؤلاء العاطلين كان من الممكن أن يقدموا إضافات إنتاجية وقيمة مضافة تم إهدارها نتيجة وجودهم في البطالة.وتقدر الحكومة عدد العاطلين بنحو 2.5 مليون عاطل في عام 2005 وفقاً لبحث العمالة بالعينة الذي يعده الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء .

يقدم الأستاذ عبد الفتاح الجبالي مستشار وزير المالية الأسبق تفسير للبطالة ويقول " إن هذه المشكلة هي إحدى الآثار الهامة الناجمة عن سياسة التثبيت الاقتصادي التي طبقتها مصر خلال حقبة التسعينات، وذلك علي الرغم من كونها كانت قائمة قبل تنفيذ هذه السياسة، إلا أن الركود الاقتصادي الذي حدث بسبب هذه السياسة الانكماشية التي طبقت خلال الفترة الماضية قد أدي إلى تعقيد المشكلة وتفاقمها، بحيث أصبحت تمثل قيداً أساسياً على انطلاق المجتمع، في طريق النمو خاصة وان هذه الاستراتيجية قد ركزت بالأساس على القطاع الخاص باعتباره القادر علي تحريك النمو واستيعاب العمالة ومن ثم منحته العديد من الحوافز التشجيعية علي الاستثمار الجيد والجاد.بل وتوقفت الحكومة عن استيعاب العمالة القادمة إلى سوق العمل منذ عام 1982، إلا أن المؤشرات الاقتصادية تشير إلى عدم قدرة هذا القطاع على الحلول مكان الدولة في استيعاب العمالة نظراً لاعتماده على مشاريع إنتاجية ذات كثافة رأسمالية مرتفعة وهو ما أدي إلي ارتفاع تكلفة التشغيل بصورة لا تتناسب بأي حال من الأحوال مع أوضاع الاقتصاد المصري".

بينما يوجد باحث آخر طرح رقم يصل إلى 6.1 مليون متعطل وهو الأستاذ عبد الخالق فاروق حيث عرض في دراسته حول البطالة للعرض من قوة العمل الجديدة خلال الفترة 82/83 حتى عام 2001/ 2002 وللطلب في كافة القطاعات ووصل للنتيجة التالية:
" المحصلة النهائية أن سوق العمل المصري بكافة مستوياته وأنواعه قد وفر حوالي 6.9 مليون فرصة عمل خلال نفس الفترة تقريباً ومن ثم فإن المقارنة بين ميزان الطلب على العمالة وميزان العرض وبعد استبعاد العاطلون باختيارهم يفيد بأن لدينا مستوي من البطالة الصريحة يتراوح بين 5.5 مليون متعطل ونحو 6.1 مليون في نهاية عقد التسعينات ومطلع الألفية الجديدة وهذا المعدل يتراوح بين 22.5% إلي 27.5% من قوة العمل وإذا أضفنا إليهم البطالة الموسمية الناتجة عن ركود سوق السياحة في البلاد منذ عدة سنوات والذين يقاربون نحو 750 ألف متعطل فإن الصورة تصبح أكثر وضوحاً عن الحجم الحقيقي للمشكلة حيث يزداد معدل البطالة بين 3.7% إلي 4% من حجم قوة العمل في البلاد سنوياً ، خاصة مع غياب أفق حقيقي لحلها وتجاوزها في ظل أزمة ركود اقتصادي استمرت لأكثر من سبع سنوات وتشير كل المؤشرات إلى استمرارها لسنوات أخري قادمة مع استمرار العناصر المغذية لها سواء في بنية الاقتصاد المصري الراهن أو بأثر الركود في الاقتصاد العالمي أو الأوضاع الإقليمية المشحونة بعوامل الخطر والانفجار أو داخلياً عبر استمرار تدفق الخريجين من النظام التعليمي بمستوي 600 ألف خريج سنوياً والزيادة السكانية السنوية وأخيرا بعودة واستقرار مئات الآلاف من المصريين الذين سبق وهاجروا إلي البلاد العربية في مصر "

إذا أضفنا لذلك وجود 450 ألف عامل مؤقت بالحكومة و45 ألف عامل مؤقت بشركات قطاع الأعمال ، إضافة إلي أكثر من 450 ألف عامل خرجوا من القطاع العام بالمعاش المبكر لينضموا لجيش العاطلين فقد تتضح انعكاسات البطالة علي سوق العمل حيث يستغل القطاع الخاص ذلك في طرح فرص عمل بأجور منخفضة ودون أي ضمانات مع حرمان العمالة من التأمين الصحي والاجتماعي ومن يرفض الخضوع لذلك فإن جيش العاطلين قادر علي توفير الآلاف القابلين بشروط عمل سيئة للخروج من صفوف البطالة.
قادت البطالة إلي تأخر سن الزواج وانتشار العنوسة حيث قامت الدنيا ولم تقعد منذ إعلان تقرير إحصائي للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء كشف عن ثلاثة حقائق خطيرة بشأن تزايد نسبة العنوسة بين الشباب المصري، وارتفاع نسبة الطلاق السنوية، وتأخر سن الزواج. وصل عدد المصريين الذين بلغوا سن الخامسة والثلاثين ولم يتزوجوا بعد إلى 8 ملايين و962 ألفًا بينهم 3 ملايين و731 ألفًا من الإناث، والباقي من الذكور، وما أورده التقرير من أن عدد المطلقين والمطلقات بلغ 264 ألف حالة خلال عام واحد.هكذا تساهم البطالة في انتشار ظروف العمل السيئة واستمرار العدوان علي حق العمل نتيجة لسياسات الليبرالية المتوحشة وهو ما ينعكس علي الأوضاع الاجتماعية المصرية وانتشار الجريمة.

4 ـ الحق في الوظيفة الدائمة:
كانت مصر حتى منتصف السبعينات تعتمد علي التوظيف الحكومي في الحكومة وشركات القطاع العام وتوفير ضمانات العمل والرعاية الصحية والاجتماعية وتوفير فرص الترقي ولكن مع تطبيق برامج التثبيت الاقتصادي تغير الوضع حيث صدر قانون العمل الموحد رقم 12 لسنة 2003 الذي حرر سوق العمل من القيود المنظمة وأطلق حرية القطاع الخاص في التشغيل وفق أجور منخفضة وشروط عمل سيئة وضمانات غير موجودة وفي ظل غياب للنقابات العمالية الخاضعة لسيطرة الحكومة وأجهزتها الأمنية.
وبعد أن أصبحت الحكومة هي أكبر مشغل في سوق العمل حيث توظف أكثر من 5.5 مليون موظف في وظائف دائمة و450 ألف في وظائف مؤقتة تسعي لتغيير قانون الوظيفة العامة من خلال مشروع قانون مشوه يسمي قانون الوظيفة العامة وهو قانون خصخصة الوظيفة العامة واهم ما يميزه :
ـ التحول من الاهتمام بالموظف في القانون 47 لسنة 1978 ( قانون العاملين المدنيين بالدولة ) إلي الاهتمام بالوظيفة كتوصيف وعلاقة دون الاهتمام بشاغلها.
ـ إلغاء لجنة شئون الخدمة المدنية التي كانت موجودة في القانون 47 وتهتم بمجمل شئون موظفي الحكومة لكي يتم التعامل مع كل وحدة بشكل مستقل بما يسمح بالمزيد من الاعتداء علي حقوق الموظفين.وتحويل لجان شئون العاملين بالجهات الحكومية إلي لجان الموارد البشرية.
ـ القضاء علي الاستقرار الوظيفي الثابت والذي انتزعه موظفي الحكومة عبر نضالهم الطويل منذ سنوات ماضية والتحول إلي نظام العقود المحددة المدة ( خمس سنوات ) والتي تقضي علي استقرار العامل وأسرته.وتضع العقد سيف مسلط علي رقبته لإطاعة أوامر رؤسائه والا انهي عقده وألقي به هو وأسرته إلي صفوف العاطلين.ورغم الحديث عن استمرار الوضع الحالي للموظفين الحاليين وتطبيق التعاقد علي العاملين الجدد إلا أن هناك عشرات المشاكل التي سيعاني منها العاملين الحاليين ونعرض لها في نقاط أهمها.
ـ إلزام الموظفين الحاليين باستنفاذ رصيد أجازاتهم خلال ثلاث سنوات دون الاهتمام بما يمكن أن يؤدي له ذلك من ارتباك في عمل الكثير من الوزارات والمصالح الحكومية.
ـ يوجد 22 مادة تحيل إلي اللائحة التنفيذية بما يخالف الدستور ويجعل اللائحة هي أصل التشريع وليس القانون.
ـ تجاهل مشروع القانون الحديث عن ساعات العمل بما يضر بمصالح العاملين الحاليين.
ـ ركز القانون علي عقاب ومحاسبة الموظفين وكأنهم مذنبين دائماً بينما ألغي الكثير من سلطات النيابة الإدارية ومجلس الدولة وقرر عدم إحالة القضايا التي يقل الإضرار بالمال العام بها عن 100 ألف جنيه إلي النيابة الإدارية بما يفتح الأبواب لفساد الموظفين.
ـ وضع عقوبة الفصل من الخدمة علي أكثر من مخالفة ليعصف بالاستقرار الوظيفي للموظف العام.
ـ قرر إحالة المنازعات القانونية بين الموظف وجهة عمله إلي القضاء العادي مما يضر بمصالح الموظفين ويطيل فترة التقاضي والتي كان قضاء مجلس الدولة هو المختص بها.
ـ ألغي نظام الترقية بالاختيار وجعل الترقية للوظائف القيادية بعقود محددة المدة بعدها يمكن عودة الموظف ليشغل وظيفة غير إشرافية بما يفتح الباب لبث الفتن والدسائس والمزيد من تعطيل مصالح المواطنين.
ـ ألغي مجموعتى الوظائف الفنية والمكتبية التي يشغلها أكثر من نصف موظفي القطاع الحكومي بما يهدد مصالح ألاف الموظفين الذين ستتم إعادة تسكينهم علي مجموعات ووظائف جديدة بما يؤدي لارتباك أوضاعهم الوظيفية.
ـ لم يتضمن المشروع جدول الأجور والذي اعتبره وزير التنمية الإدارية في حديثه لجريدة الأهالي يوم 10 يناير 2007 بأنها جداول لا تقدم ولا تأخر مما يوضح إن الإضرار بأجور الموظفين قضية لازالت يجري طبخها ولم تنتهي بعد.
ـ أحال القانون في شان الأجازات إلي قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 بما يعنى تخفيض الأجازة العارضة يوم لتصبح 6 أيام سنوياً ، وحرمان الموظفين فوق سن الخمسين من 15 يوم إجازة لتصبح شهر بدل 45 يوم ، حرمان الموظفات من الحصول علي أجازة الوضع ألا مرتين وحرمانها من إجازة رعاية الطفل .
ـ فتح الباب أمام الخروج للمعاش المبكر بما يمكن أن يكمل انهيار نظام المعاشات المرتبط بالقانون رقم 79 لسنة 1975 .
ـ التغاضي التام عن كل ما يتعلق بالرعاية الصحية والاجتماعية للموظف العام.

لقد رفض قضاة مجلس الدولة والنيابة الإدارية واتحاد العمال الحكومي مشروع القانون وأعادوه لوزارة التنمية الإدارية لتعديله .هكذا يجري الإعداد لتوقيت الوظيفة العامة والعصف بآخر مواقع الاستقرار الوظيفي لتصبح جميع الوظائف مؤقتة مما يخل بمصالح ملايين الأسر .

5 ـ الحق في الأجور العادلة:
يعاني هيكل الأجور المصري من خلل كبير حيث لا يزال الحد الأدنى للأجور ثابت عند 40 جنيه شهرياً أي 6.5 دولار ، ورغم نص قانون العمل الموحد علي تشكيل مجلس أعلي للأجور والأسعار وصدور قرار بتشكيل المجلس لم يجتمع المجلس علي مدي السنوات الماضية ولم يتم تحديد الحد الأدنى للأجور ولازالت معدلات التضخم ترتفع دون زيادة تقابلها في الأجور ، وهناك مئات الشركات يعاني عمالها من عدم زيادة أجورهم السنوية وحرمانهم من العلاوة الدورية لسنوات متوالية بينما تتزايد معدلات التضخم بما يعني انخفاض الأجور الحقيقية للملايين من العاملين بأجر.
كما لا تزال الفجوة بين الحد الأدنى والحد الأعلى للأجور تقدر بالمئات في ظل فوضي سوق العمل بل وداخل القطاع الواحد ، حتى القطاع الحكومي لم يسلم من هذه الفروق بين هيئات حكومية داخل الوزارة الواحدة.
وأصبح هناك عرف سائد لتغطية فجوة الأجور والأسعار من خلال توابع الأجور من حوافز ومكافآت وجهود غير عادية وأجور إضافية وبدلات بحيث أصبح للعامل أجرين أحدهما يسمي الأجر الأساسي والآخر هو الأجر الشامل للمزايا والبدلات وتختلف نسبة الأجر الأساسي للشامل بين وزارة وأخري وبين شركة وأخري بما يعكس فوضي السوق الرأسمالي المعولم.
أصبحت الأجور المتغيرة تشكل النسبة الأكبر من إجمالي الأجر وهي تشمل المكافآت والبدلات وتمثل 92.1% من الأجور الأساسية وتختلف بين قطاع وآخر فهي تصل إلي 140.4% في القطاع الحكومي ، 189% في الهيئات العامة الخدمية ولا تتجاوز 58.1% في الإدارة المحلية .كما قامت الحكومة بخفض العلاوة السنوية لأصحاب المعاشات من 10% إلي 7.5% وبما يعني تخفيض المعاشات بنسبة 4.7% حيث أعلن وزير المالية أن معدل التضخم 12.2%.
ـ رغم ارتفاع متوسط الأجر الأسمى للعامل من 520 جنيه شهريا عام 2001/2002 إلي 617.4 جنيه شهرياًَ عام 2004/2005 فإن الأجور الحقيقية أي قدرة الجنيه أجر علي شراء السلع والخدمات قد انخفض من 520 جنيه شهرياً إلي 489.9 جنيه شهرياً خلال نفس الفترة .
ـ العامل الذي كان مرتبه 520 جنيه منذ 4 سنوات وارتفع إلي 617.4 جنيه في 2004/2005 أصبح أجره الحقيقي 489.9 جنيه وبذلك حدث انخفاض في الأجر يشعر به الجميع ويعتبرون أن المرتب بيتبخر زى البنزين أو أن الفلوس قلة بركتها ولكن الحقيقة أن الأجور الحقيقية انخفضت نتيجة إطلاق قوي السوق بلا ضوابط بما يؤدي لمزيد من تدهور معيشة محدودي الدخل من أصحاب الأجور.
ـ أدي تطبيق برامج التثبيت الهيكلي إلي المزيد من الخلل في توزيع الدخل حيث انخفض نصيب الأجور من الناتج المحلي الإجمالي من 31.1% عام 2001 / 2002 إلي 28.2% عام 2004 / 2005 بينما ارتفعت حقوق عوائد التملك الأخرى من 68.9% إلي 71.8% خلال نفس الفترة بما يعكس انحياز هذه السياسات الواضح لصالح الرأسمالية وعلي حساب محدودي الدخل.
كما تعكس بيانات الدعم والاستهلاكي وجود تحسن حقيقي في استهلاك الأفراد بما يعكس وصول الدعم لمستحقيه ومساهمته في تخفيف حدة الفقر ، بينما أضافت الحكومة فرق السعر العالمي للبترول لاعتمادات الدعم مما أدي لتضخمها بشكل غير حقيقي حتى تتخذ الحجج للعودة مرة أخري للترويج لفكرة الدعم النقدي والذي يمثل كارثة يلتهمها التضخم.
تداعب الحكومة بعض الفئات من خلال التلويح بأنظمة أجور لكل فئة أو ما يسمي بالكادر الخاص سواء للمعلمين أو للأطباء وهو ما يشكل خطوة نحو المزيد من تفتيت حركة الطبقة العاملة وتحويلها إلي حركات فئوية ضعيفة . ويعكس الوضع الحالي وجود 829 ألف من موظفي الحكومة يعملون بكادرات خاصة يمثلون 45.7% من موظفي الحكومة بينما يوجد 105 ألف من موظفي الهيئات العامة يمثلون 19.8% من موظفي الهيئات يخضعون لكادرات خاصة ، ولكن لا يتجاوز عدد العاملين بكادرات خاصة في المحليات 786 موظف من بين أكثر من ثلاثة ملايين يعملون بالمحليات. (جريدة المصري اليوم ـ 12/2/ 2007 )

لقد كان جوهر الحركة الاحتجاجية خلال السنوات الأخيرة الاعتداء علي الأجور وتوابعها سواء اجر القطعة أو النصيب من الأرباح أو الحوافز من مصنع أبو السباع بالمحلة إلي سائقي القطارات وعلي امتداد مصر وبما يعكس الأهمية المحورية لقضية الأجور والأسعار . لقد عكست التحركات الأخيرة أن أجر القطعة في العديد من الصناعات والمرافق مثل السكك الحديدية لم تتغير منذ الستينات ويحتاج للتغيير لمواكبة التغيرات التي حدثت في الأسعار ، كما أن المقابل النقدي للوجبة الغذائية لم يطرأ عليه تغيير منذ سنوات فمن غير المنطقي أن تتحمل الطبقة العاملة وحدها تكلفة تحرير الأسواق لتتحول نتائجها إلي المزيد من الأرباح لصالح الحلف الرأسمالي الحاكم وسلطة رجال الأعمال بينما يسقط العمال تحت خط الفقر المترتب علي هذه السياسات.

لقد حذر الأستاذ محمد فريد خميس رئيس اتحاد الصناعات الأسبق ورئيس لجنة الصناعة والطاقة بمجلس الشورى " من أن هناك فروقاً كبيرة بين مستوي المعيشة والأجور والأسعار لأن الدخول حالياً " كلام فاضي " وأوضح أنه قام بإجراء دراسة لأحدي شركاته أثبتت أن العامل يحتاج زيادة في مرتبه20% ليصل لمستوي معيشي يلائم الأسعار السائدة في السوق " . هكذا عبر فريد خميس بصراحة عن جانب من القضية بينما لو تمت دراسة وتقييم الأجور علي مستوي القطاع الخاص ككل لأمكن معرفة حجم المأساة. (جريدة المصري اليوم ـ 27/1/ 2007)

أكد خبراء الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية أن سوء توزيع الدخل يقلل من الشعور بزيادة النمو و وقال د. محمود عبد الحي مدير معهد التخطيط السابق، خلال مناقشة أول تقرير للمعهد عن «الاقتصاد المصري.. الفرص والتحديات»، إنه لا يمكن لأي سياسة اقتصادية في مصر أن تنجح مادامت أجور الموظفين الأساسية لا تشكل إلا ٢٥% من دخلهم، كاشفاً أنه دعا المسئولين إلي أن تبدأ المرتبات من ٧٥٠ إلي1.000 جنيه، كرقم واحد، لكنه ووجه باعتراضات أهمها الخوف من زيادة عبء التأمينات الاجتماعية (جريدة المصري اليوم ـ ٢/٢/ ٢٠٠٧).

6 ـ الحق في الضمان الاجتماعي :
يعد الضمان الاجتماعي حق من حقوق الإنسان . ويوجد في مصر نظامين للضمان الاجتماعي الأول بدون سداد اشتراك ويخص الفئات الفقيرة التي ليس لها دخل أو عائد ، فالأشخاص الذين يقل دخلهم اليومي عن 1دولار ( 5.7 جنيه يوميا أي 174 جنيه شهرياً ) هم فقراء ويقدر عددهم بنحو 2.1 مليون شخص وقد ارتفع عددهم بحوالى 205 ألف شخص تدهورت دخولهم خلال الفترة الماضية. وبالنسبة لمن يقل دخلهم اليومي عن 2 دولار ( 11.6 جنيه يومياً أي 348 جنيه شهرياً ) فيقدر عددهم بنحو 35.8 مليون شخص وأنه خلال الفترة الماضية تدهورت أوضاع 7.8 مليون انخفضت دخولهم الحقيقة إلى مستوى أقل من 2 دولار يومياً.
كما يوجد تفاوت كبير في توزيع الدخل بين الطبقات حيث أوضح تقرير التنمية البشرية أن أغني 20% من السكان يحصلون على 43.6% من الدخل القومي بينما أفقر 20% لا يتحصلون سوي على 8.6% من الدخل القومي بما يعكس التفاوت الطبقي وسوء توزيع الدخل وتركز الثروات وانتشار الإنفاق الترفي في مواجهة انتشار الفقر.
تقدم الدولة للفقير الذي ليس له عائد معاش شهري يقدر بحوالي 70 جنيه ( 12 دولار شهرياً ) ورغم ارتفاع أعداد الفقراء الذي يقدر بالملايين فقد أنخفض عدد الحاصلين علي معاش الضمان الاجتماعي من 842 ألف مستفيد عام 1995/ 1996 إلي 453 ألف مستفيد عام 2003 / 2004 وبما يعكس حرمان ملايين الفقراء من هذه الإعانة الضعيفة وبما يخالف كافة مواثيق حقوق الإنسان.

تتعمد الحكومة الخلط بين مختلف الأنظمة التأمينية التي يسدد المنتفعين عنها اشتراكات شهرية ومنذ عام 1981 تلزم الحكومة الهيئة القومية للتأمينات الاجتماعية بتحويل فائض أمولها إلي بنك الاستثمار القومي حتى وصل الفائض المتراكم إلي 230 مليار جنيه في عام 2005. كما كانت الحكومة تدفع فائدة 4% و6% في الوقت الذي كان فيه سعر الفائدة يتراوح ما بين 16% و 18% بما يعني أن أصحاب المعاشات كانوا يدفعون ضريبة للحكومة تتمثل بالفرق بين سعر الفائدة علي أموال التأمينات وسعر الفائدة الحقيقي في السوق ورغم ذلك تراكمت الفوائد حتى بلغت 40 مليار جنيه في عام 2005.
إن نظام التأمين الاجتماعي في مصر يغطي 18.5 مليون مؤمن عليه و7.5 مليون صاحب معاش ومستفيد ولكي تستولي الحكومة علي أموال المعاشات والفوائد التي تزيد علي 270مليار جنيه أكثر من 47 مليار دولار تم إلغاء وزارة التخطيط التي يتبعها بنك الاستثمار القومي الدائن الرئيسي بأموال المعاشات ، ثم إلغاء وزارة التأمينات وضم الهيئة القومية للتأمينات إلي وزارة المالية لتصبح الدائن والمدين في نفس الوقت.وقد صرح وزير المالية بأنه سيتم منح التأمينات صك بقيمة الفوائد ولن يدفع قيمة أصل الدين ( 240 مليار جنيه ) التي استولت عليها الحكومة بل سيدفع الفوائد ، بينما كان المطلوب تحرير سندات بقيمة أصل الدين لصالح الهيئة.
وتعد الحكومة للمزيد من الاعتداء علي الحقوق التأمينية من خلال مشروع قانون جديد يتم إعداده حالياً سيحول نظم التأمينات المصري إلي شركات التأمين الخاص المحلية والدولية بما يهدر أموال التأمينات ومستقبل الأجيال القادمة التي ستفتقد للرعاية الاجتماعية في ظل سيطرة الرأسمالية المتوحشة.

7 ـ العدوان علي حق التعليم:
تمثل عدوان الرأسمالية المتوحشة علي الحق في التعليم من خلال تدهور مستوي التعليم وإطلاق يد القطاع الخاص في التعليم قبل الجامعي من خلال 1.418 مدرسة تمثل حوالي 10% من مدارس التعليم الابتدائي عام 2004 / 2005 ، 12% من مدارس التعليم الإعدادي من خلال 1.011 مدرسة ، و 26% من المدارس الثانوية من خلال 574 مدرسة ثانوية خاصة.
رغم ذلك أصدرت الحكومة القانون رقم 82 لسنة 2006 بشأن ضمان الجودة والاعتماد الذي يقنن لخصخصة التعليم قبل الجامعي ويعطي القطاع الخاص إمكانية تأجير المباني الحكومية لإدارتها ، إضافة إلي عقد اتفاق مع القطاع لخاص لبناء 300 مدرسة بنظام ( ( PPP (جريدة الوفد 13/ 2 / 2007) إضافة إلي وجود أكثر من نظام تعليمي الأمر الذي جعل الدكتور محمد غنيم رائد زراعة الكلي يصف التعليم الخاص في مصر بأنه كارثة ( المصري اليوم 16/ 3 / 2007 ) وهناك عشرات الدراسات والمقالات التي ترفض خصخصة التعليم .
كما تم التوسع في إنشاء الجامعات الخاصة الأمر الذي وصفة الأستاذ الدكتور كمال نجيب بأنه خصخصة للتعليم الجامعي تنفيذا لتوصيات البنك الدولي ( جريدة الأهالي 31 / 1 / 2007 ) ويتواصل العدوان علي حق التعليم تنفيذا لتوصيات منظمات العولمة وتحويل التعليم إلي سلعة تخضع لقوانين السوق وتحرم أبناء الطبقات الفقيرة من الحق في التعليم ومن ثم الحق في العمل.

تتحمل الأسرة المصرية 20% من دخلها للإنفاق علي الدروس الخصوصية الذي يتجاوز 15 مليار جنيه سنوياً ورغم ذلك تدهور مستوي الخريجين جاء ذلك وفق دراسة أعدها مركز معلومات مجلس الوزراء عام 2005 ( جريدة الأهرام 16/ 11 / 2005 ) ، كما تسعي الحكومة لإصدار كادر خاص للمعلمين في محاولة لمواجهة تردي مستوي التعليم ولكنها لن تجدي لأنها تعالج المشكلة وفق رؤية جزئية وليس وفق خطة واضحة لتطوير التعليم بجميع مكوناته.

يري الأستاذ الدكتور حامد عمار شيخ أساتذة التربية في مصر " أنه لم تعد أزمة التعليم في إطار الاقتصاد الحر وتآكل مسئوليات الدولة مجرد وجود مدارس خاصة أو مدارس أجنبية هنا وهناك ، أو جامعة أو جامعتين خاصة أو أجنبية مع ضمان صلابة المنظومة التعليمية الرسمية . إنما غدت المشكلة وجود أربع منظومات تعليمية يكاد أن يكون لكل منها كيان متماسك . ومما يؤسف له أن تكون المنظومة الرسمية أقلها تماسكاً وكفاءة . ويجسد مثل هذا التسيب والتخلخل في البنية التعليمية وفي تكيف مؤسساتها مع سياقات التحول التائهة في دروب حرية الاستثمار وحرية السوق الطليق، أحد المخاطر المقلقة علي تماسك الكيان المجتمعي والثقافي ، وعلي قيم المواطنة والانتماء الذي أصبح انتماءً إلي هوية السوق وما تحققه من مصالح فئوية خاصة ، متجاوزة الصالح العام في كثير من الحالات . يضاف إلي ذلك ما يتهدد التعليم ودوره المجتمعي من توجهات التدخل الأجنبي في إصلاح التعليم كجزء من مشروع الشرق الأوسط الكبير وصندوق موارده من أجل نشر الديمقراطية ومكافحة الإرهاب.وهذه مسألة بالغة الخطورة تستلزم التنبه والمواجهة .

وفي مثل هذا السياق المجتمعي التائه في هويته ، مما لا ينسحب عليها مفهوم «الفوضى الخلاقة» تتم إصلاحات التعليم باسم الحداثة وتعلم اللغات العالمية والرقمية وتكوين المواطن السوقي . لذلك نلحظ الاهتمام والتركيز في المستوي الجامعي خاصة في معظم المؤسسات الخاصة والأجنبية علي تعليم مواد التجارة والمحاسبة والإدارة وإدارة الأعمال والحاسوب ونظم المعلومات والاقتصاد وغيرها من المقررات المهيأة للعمل مع الاستثمارات الأجنبية أو للهجرة إلي ديارها. ومن المعروف أن كل تحديث فني أو حاسوبي في الجسم التعليمي القائم وهياكله وأساليبه لا يعتبر تنمية بل إنه تغريب يتجه نحو الغرب طموحاً وثقافة، في حين أن كل تنمية أساسية تعتبر تحديثاً ، وتأصيلاً حين تستند إلي الوعي الناقد لفهم الواقع وتحريكه نحو الحيوية واستدامة النماء.وفي معظم المؤسسات الخاصة والأجنبية يقل الاهتمام أو ينعدم بالعلوم الاجتماعية والإنسانية ، إذ لا حاجة للسوق بمثل هذه الأمور النظرية ، مع أهميتها البالغة في الفهم الناقد للسياق المجتمعي وتراثه الحي وطموحاته المستقبلية .

وفي هذا السياق المجتمعي التائه تتوه قيم العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص ، وتصبح الدنيا لمن غلب ، بماله ونفوذه يشتري فرص التعلم لتكون واسطته في توريث مواقعه لأبنائه وأحفاده حتى لو بطرق غير مشروعة،وتنعدم فرص الحراك الاجتماعي والتحول الديمقراطي ليتجمد المجتمع في صورة أوليجاركية تسيطر عليها فئة قليلة من أصحاب المال وقوته ، وتحول دون آمال الجميع في المشاركة في صنع الحياة، حاضراً ومستقبلاً ، وتسود قيم نموذج السوق وإنتاج المواطن السوقي الذي ينشد العمل في مؤسساته العالمية ، أو يغترب فكراً حتى تتاح له الهجرة إلي مواطن الوعد المنشود". ( جريدة الأهالي ـ 6 /7 / 2005 )


8 ـ العدوان علي حق الصحة:
توسع الاستثمار الخاص في القطاع الصحي منذ منتصف السبعينات حتى أصبح لدينا 1.118 مستشفي خاص في مارس 2006 تضم حوالي 28 ألف سرير تمثل حوالي 17% من أسرة المستشفيات في مصر وتتركز 57% منها في ثلاث محافظات هي القاهرة والجيزة والإسكندرية وبما يعكس خلل في التوزيع الجغرافي للاستثمار الصحي الخاص في القطاع الصحي.
يوجد في مصر نظام راسخ للتأمين الصحي الاجتماعي يقدم خدماته من خلال 40 مستشفي وأكثر من 10 الآف سرير تقدم خدمات التأمين لأكثر من 37 مليون نسمة من السكان وبميزانية متواضعة تبلغ 2 مليار جنيه في ظل إنفاق صحي يتجاوز 24 مليار جنيه . وقد أثبتت الدراسات التي أعدها مركز معلومات مجلس الوزراء أن الأسر المصرية تتحمل 60% من تكلفة العلاج في مصر بما يشكل المزيد من الإرهاق لميزانية الأسرة ، ورغم ذلك تسعي الحكومة للتراجع عن نظام التامين الصحي الاجتماعي إلي التأمين الخاص وزيادة الاعتماد علي القطاع الخاص لتقديم الخدمات الصحية.
يرصد د. عبد المنعم عبيد أستاذ التخدير بطب قصر العيني وأحد خبراء الصحة في مصر مجموعة من الحقائق حول الوضع الصحي في مصر أولها العبء المرضى حيث تعانى مصر من وجود الأمراض المتوطنة كالبلهارسيا التي تؤدى إلى الإصابة بالفشل الكلوي الذي تصل تكلفة علاجه إلى 750 ألف جنيه لكل مريض ووفقاً لمتوسط عدد المرضى تصل إلى 75 مليار جنيه خلال 30 سنة، كما أن تكلفة زرع الكبد تصل إلى 200 ألف جنيه للمريض، وتصل تكلفة علاج أمراض الكبد إلى 100 مليار جنيه يتحمل الفقراء منها 20 مليار جنيه سنوياً وهو ما يمثل عبئا على المواطن.
ويرى د. عبيد أن هناك إرهاصات لخصخصة قطاع الصحة بدأت منذ 15 عاماً من خلال ظهور أنظمة العلاج الاقتصادي والفندقي داخل المستشفيات العامة حتى وجد المواطن نفسه يدفع نفقات علاجه تدريجياً، وذلك على الرغم من أنه بدراسة التكلفة اللازمة للرعاية الصحية في مصر توصل الباحثون إلى أنه من الممكن الوصول إلى خدمة صحية متميزة بتكلفة 12 مليار جنيه أي بنحو 180 جنيها لكل مواطن وذلك من خلال نظام تأميني غير هادف للربح يحتوى القطاع الخاص داخله ولا يفرط في أصول التأمين الصحي.

كما يري د. محمد حسن خليل استشاري القلب والخبير بشئون التأمين الصحي إن فصل التمويل عن الخدمة يعنى إعادة رسم دور وزارة الصحة لتتوقف عن تقديم الخدمات العلاجية بالتدريج ليقتصر دورها عند تحديد معايير الجودة، لأن من وجهة نظر وزارة الصحة لا تتحقق الجودة إلا من خلال القطاع الخاص الذي يحقق المنافسة! وتكمن المشكلة في أن هذا الفكر سيقود إلى أن يصبح القطاع الخاص هو المقدم الوحيد للخدمة وبالتالى تتجه الحكومة إلى بيع المؤسسات العلاجية المملوكة للوزارة في حين أن وزارة الصحة تملك 55% من أسرة المستشفيات والتأمين يملك 6% ولا تتجاوز ملكية القطاع الخاص 16% فقط فكيف يقدم كل الخدمات العلاجية.وقال إن التذرع بأن التأمين الصحي الحالي نظام خاسر يجب التخلص منه أمر غير صحيح فالتأمين يحقق فائض مستوى يتراوح بين 100 إلى 200 مليون جنيه خلال السنوات الخمس الأخيرة، كما أنه طبقاً للحالة الاقتصادية للمصريين كيف يشرع قانون يحمل المواطن 1/3 تكلفة العلاج في دولة يقبع ثلاثة أرباع سكانها تحت خط الفقر النسبي والمطلق؟! ( جريدة الأهالي 21 / 2 / 2007 )

تخطط الحكومة لإصدار قانون جديد للقطاع الصحي بدعوى الإصلاح وتنفيذا لتوصيات مؤسسات التمويل ومكاتب الاستشارات الدولية ولكن الهدف هو خصخصة القطاع الصحي والتراجع عن التأمين الصحي الاجتماعي إلي التأمين الهادف للربح من خلال القطاع الخاص.وتسعي الشركات التجارية والدولية للدخول كوسيط في تقديم الخدمة الطبية التأمينية الأساسية،و دخول الشركات التجارية كوسيط في تحصيل الاشتراكات حيث تحصل الاشتراكات حاليا من قبل هيئة التأمينات الاجتماعية ولا يقتضى الأمر إلا الرقابة على التحصيل وليس إدخال جهة تجارية تهدف للحصول على نسبة مما تحصله لأداء وظيفة تتحقق الآن وتنتقص من مقدار الاشتراكات المحصلة لتحقق أرباحها.

نتيجة توسع القطاع الخاص لم يتطور الوضع الصحي للأفضل بل إن الأرقام المعلنة مثل أن مصر أصبحت الدولة الثالثة في العالم من حيث الإصابة بأنفلونزا الطيور ، كما كشف تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للإنماء والتنمية عن إصابة 5 ملايين مصري بفيروس الالتهاب الكبدي الوبائي " سي " وأشار التقرير إلي أن نسبة الإصابة بالعدوى 70 ألف حالة سنويا منها 30 ألف حالة تتحور إلي التهاب كبدي مزمن. وأكد التقرير أن مصر تحتل المرتبة الأولي عالميا في الإصابة بالمرض وتصل النسبة إلي 15% من عدد السكان.( جريدة الوفد 17/2/ 2007 ).كما يوجد 4 مليون مصري مصابين بمرض السكر ( جريدة الوفد 28/3 / 2004 ) كما نشرت جريدة الأهرام أم مرضي الصدر يتكلف علاجهم 8 مليار جنيه ( جريدة الأهرام 30/11 / 2005 ). كما تبلغ نسبة حساسية الصدر لدي المصريين نحو 14 % وفقا لأحدث تقارير الجمعية المصرية للحساسية.بل إنه من الخطورة.. أن نسبة الإصابة بالربو بالرغم من انخفاضها من 32 لكل مائة ألف عام 1997 لنحو 28 فقط لكل مائة ألف عام 2003 إلا أن نسبة الإصابة لدي الأطفال المصريين مازالت مقلقة.. وأن معدل اكتشاف الحالات الإيجابية الجديدة للمرض قد ارتفع العام الماضي ليصل إلي 58% مقابل 37 % فقط عام 2002 ( مجلة آخر ساعة 1/6 / 2005 )

كما حذر تقرير منظمة اليونيسيف من تفشي مرض الأنيميا بين ما يقرب من 15 مليون شاب مصري في السنوات العشر الأخيرة مشيرا إلى أن مخاطر هذا المرض تتمثل في تأثيره الضار جدا على النمو الذهني للمخ ومعاناة المرضى من إرهاق صحي وعصبي شامل.( المصريون 7 / 7 / 2005) ويوجد 100 ألف مريض يصابون بالسرطان سنوياً نتيجة التلوث ( جريدة الأهالي 16/3/ 2005 ) ، يفقد 22 ألف منهم حياتهم بسبب نقص الأدوية ( جريدة العربي 25/4 / 2004 ) ،كما أن 25% من المصريين مصابون بضغط الدم ( جريدة الوفد 3/6 / 2004 ) .

هكذا تتدهور صحة المصريين وتنتشر الأمراض والأوبئة بل أن الكوليرا والملاريا والدرن عادت للانتشار في مصر في ظل توجهات العولمة المتوحشة وفقاً لإحصاءات منظمة الصحة العالمية . كما أن الفساد في القطاع الصحي أمتد ليشمل أكياس الدم وفلاتر الغسيل الكلوي ودعامات شرايين القلب وفق قضايا الفساد التي تعلن عنها الحكومة فهذه بعض من نتائج سياسات الليبرالية المتوحشة والعدوان علي حق الصحة في مصر.

9 العدوان علي حق التنظيم النقابي:
رغم أن حرية التنظيم النقابي حق أصيل ضمن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية إلا أن مصر تقيده بقانون النقابات العمالية رقم 35 لسنة 1976 وتعديلاته الذي ألغي الشخصية الاعتبارية لنقابة المصنع والمنشأة وحول العضوية إلي النقابات العامة التي يبلغ عددها 23 نقابة عامة لمختلف المهن والصناعات .
كما أنه رغم وجود 20 مليون يعملون بأجر في مصر لا يتجاوز عدد المقيدين بالتنظيم النقابي الحكومي 4 مليون عامل موزعين علي 1.800 لجنة نقابية و 23 نقابة عامة وفي الدورة النقابية الأخيرة التي تمت انتخاباتها منذ شهور تم شطب أكثر من 35 ألف عامل وحرمانهم من خوض الانتخابات .
لقد قادت منظمات المجتمع المدني معركة كبيرة خلال الانتخابات الأخيرة في عام 2006 واستطاعت انتزاع أحكام قضائية ببطلان انتخابات الاتحاد العام للعمال والنقابات العامة والعديد من النقابات القاعدية ومع ذلك رفضت وزارة القوي العاملة والاتحاد العام للعمال تنفيذ الأحكام القضائية واستمر الاتحاد الباطل ليمثل العمال علي مدي خمس سنوات قادمة.
كما يحرم العمال في المدن الصناعية الجديدة من حق تشكيل النقابات العمالية في ظل قانون ضمانات الاستثمار وسيطرة القطاع الخاص الذي يطيح بأي قيادة عمالية تسعي لتأسيس لجنة نقابية، وتوجد قيود كثيرة علي حرية العمل النقابي تجعل منه فاقد للفاعلية وغير قادر علي الدفاع عن مصالح العمال حيث يخضع بالكامل لسيطرة الحكومة وأجهزتها ويحرم العمال من حق التنظيم النقابي المقر بموجب العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية .

كما يوجد في مصر حوالي 758 جمعية تعاونية تابعة للهيئة العامة للإصلاح الزراعي، 4.271 جمعية تعاونية تابعة للائتمان الزراعي، 93 جمعية تابعة للثروة المائية، 605 جمعية تعاونية للاراضى المستصلحة تسيطر الحكومة عليها وتحرم الممثلين الحقيقيين من الوصول إليها.

نفس الوضع ينطبق علي النقابات المهنية التي تم تجميدها منذ صدر القانون رقم 100 حيث تمت مصادرة العمل النقابي في العديد من النقابات المهنية وتجمدت النقابات المهنية باستثناء نقابتي المحامين والصحفيين.

لذلك تناضل الطبقة العاملة المصرية من أجل انتزاع حرية العمل النقابي وتواجه بتعنت وتعسف السلطة ومحاربة كل الداعين لذلك رغبة في سيادة التنظيم الحكومي وسيطرته علي الحركة العمالية .
لقد شهدت مصر 45 إضراب عمالي عام 2004 ارتفعت إلي 53 إضراب في عام 2005 ، وشهدت مصر موجة إضرابية كبيرة منذ ديسمبر 2006 وحتى الآن شملت دخول مصانع كبري للاحتجاج في غزل المحلة وشبين الكوم وكفر الدوار وسائقي السكة الحديد وعمال النقل البري وعمال النقل النهري وتبشر هذه التحركات بالتصاعد خلال السنوات القادمة . كما سقطت نفيسة المراكبي شهيدة وهي تدافع عن الأرض في سراندوا وظل فلاحي عزبة مرشاق في دكرنس معتصمين بالأرض يرفضون إعادتها لأبناء الإقطاعيين بعد أن سددوا كامل ثمنها للإصلاح الزراعي.

يتواصل عدوان الليبرالية المتوحشة علي مختلف الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للكادحين في مصر ولكن الحركة الاحتجاجية للفلاحين والعمال تتصدي لهذه الهجمة ولعل موجة الاضرابات العمالية الأخيرة والاحتجاجات الفلاحية لخير دليل علي حيوية الشعب المصري وقدرته علي التصدي لهذه الهجمة والدفاع عن حقوقه الاقتصادية والاجتماعية في مواجهة هجوم الليبرالية المتوحشة ومنظمات العولمة الرأسمالية بالتعاون والتضامن مع كل حركات المقاومة الاجتماعية في العالم من أجل عالم خالي من الحروب والاستغلال والتلوث.

إلهامي الميرغني
25/3/2005