egyption1

الجمعة، مارس ١٦، ٢٠٠٧

مدخل أولي في أزمة اليسار الفلسطيني بقلم د. جبرا الشوملي

مدخل أولي في أزمة اليسار الفلسطيني / بقلم د. جبرا الشوملي
من نافل القول ان الاسئلة النوعية هى مفاتيح الخروج من الازمات النوعية ، كما اشار لذلك مرارا المثقف اللبناني الكبير الشهيد حسن حمدان المعروف بمهدي عامل، وإثارة الاسئلة النوعية ليست تمرينات ومتعات ذهنية كما هو ترف المثقف الفوضوي ، وانما هى زعزعة للاشكاليات والاستعصاءات الغليظة اليابسة من الفكر والثقافةوالسياسة ، وفتح الافاق وإمضاء سلاح الحركات الثورية في معاركها الوطنية والاجتماعية ، بيد ان استخلاص الاجوبة النوعية التي تضيئ الطريق وتشحنالارادات وتدفع حركة المجتمع والتاريخ للامام هو ما يميز العقول الحية المبدعة عن العقول الحسية الرتيبة . اليسار الفلسطيني المختنق بمعضلاته واستعصاءات تطور مشروعه ، وبات مهددا في مستقبله ، عليه إن عزم ان يطوي صفحات ازماته واشكالياته المتراكبة ان يرتفع الىمستوى الاسئلة والأجوبة النوعية ، فالمهمة ليست فكرية فحسب بل ووطنية من الدرجة الأولى ، بل انها تتحايث مع ذلك النوع من المهام التي من شأن النجاح في حلهاتأسيس شروط نشل المجتمع الفلسطيني من محنته ، وتقوية قدرته على الصمود في ظروف الهزيمة ، مما يستدعي عقول وارادات قادرة دون تردد على مغادرة خط وعيهاوسيرها التقليدي السابق الى وعي وخط سير جديد. في تحليل اسباب الأزمة اليسارية قد تكون بدايات التغيير الجدي مشروطةبالقدرة على تقديم اجابات غير مألوفة على السؤال المحوري التالي : لماذا أخفق اليسار ..؟؟ واين أخفق..؟؟ان تحديد معاني الاخفاق ومستوياته وتداعياته الموجعة من شأنه ان يرفع من قيمة ومسؤولية وجدية وعمق الاجابات التي تنتظر العقل اليساري الفلسطيني ، أي ان هولالاخفاق ، وان أردتم الدقة والصراحة فضيحة الاخفاق لا تترك مجالا إلا لاحتمالين : إما تشريح نقدي جريء بلا حدود يقود الى نتائج جذرية وحاسمة ، أواستمرار التهميش والتفكيك وصولا لما يمكن ان يكون بلا حدود .بالتواصل مع روح الفكرة ، تكبد اليسار الفلسطيني إخفاقين :الأول : انهيار طموحه التاريخي في قيادة العملية الوطنية الفلسطينية ، ثم انقلاب طموح الامساك بالقيادة والقرار الى دون طموح الشريك ، بل اناليسارالفلسطيني - مع بعض التفاوتات بين أطرافه - انخرط في النظام السياسي الفلسطيني ( م ت ف ) بطريقة بدد نهائيا قدرته على القيادة أو الشراكة . ومنالميزات الجوهرية لهذا الاخفاق التي تتطلب الامعان النظري الجدي ، ان الذي أخفق هو صاحب أعرق وأقدم وأطول تاريخ كفاحي في المسيرة التحررية الفلسطينية ، ويصلعمر بعض اطرافه ما يقارب تسع عقود ( حزب الشعب ) واطرافه الاخرى تقترب من اربع عقود ( الشعبية والديموقراطية ) ، ويجوز ردها الى أقل بقليل من ست عقود ( حركةالقوميين العرب ) ، كما ان الذي أخفق هو أيضا مؤسس وباني نظرية التنظيم الكفاحي والنضال الجماهيري ، واليه يعود الفضل في ترسيخ وتعميم تجارب الصمود الجماعي فيزنازين التحقيق التي بدأها الحزب الشيوعي وتحولت على يد الجبهة الشعبية الى مدرسة ، اضافة الى جملة ابداعات نظرية في حقول : اشكال النضال ، معسكر الاصدقاءوالاعداء ، التحالفات ، السري والعلني ، التنمية ، كما دوره المميز في نشر الوعي العقلاني ومقولات المواطنة والمساوة والعدالة ، وحرث ثقافي - اجتماعيمدني في الجامعات والمدن والقرى والمخيمات اتسع وترافق مع تعبئة وتحريض ومقاومة وتضحيات لم تعرف الهدوء طيلة الفترة السابقة ، بينما كل ذلك لم يشفع له.الثاني : عدم نجاحه في بناء الحد الادني لحياة سياسية فلسطينية داخلية شبه متوازنة ، أي بناء قطب سياسي ثالث يحقق نوع من التوازن أمام قطبى فتح وحماس، ويبدو ان هذا النوع من الاخفاق بما ترتب عليه من اضعاف للتعددية السياسية التي تتيح نوع من الضبط الاجتماعي والسلم الأهلي وما سببه من اشتداد حدةالاستقطاب الفتحاوي – الحمساوي كان واحدا من منشطات البيئة العامة للاقتتال الدموي بين فتح وحماس ، كما هو الثمن المباشر الذي دفعه في صيغة اتفاق مكة الذيجرد اليسار حتى من رمزيته التاريخية والمعنوية .في تفسير اسباب تلك الاخفاقات لم يرتفع اليسار ومثقفيه حتى اللحظة ، مجتمعين أومنفردين الى مستوى المعالجات الجوهرية ، أي الغوص العميق نحو المنطق الخفي واللامرئي الذي تحكم وما زال يتحكم بعنوان الأزمة ، والدليل ان الأزمة مازالت مستحكمة ومستمرة ومتواصلة وأشد يقينا واسطع بروزا من أى فترة سابقة ، بما يعكس ان المهمة الجدية والمصيرية لم تبدأ بعد ، ولانها مهمة مصيرية فهى تتطلبعقول واردات مصيرية أكثر عمقا وشمولا مما يتبدى في ظاهر العقل اليساري المتخبط ومقارباته المحدودة ، وقد تكون محدوديتها هى ملامح لصورة سياسيون مُتخمونبالمهام المكتبية والعملية على حساب الابداع الفكري ، يحاكون ولا ينتجون ، وبلغة محمد دكروب لا يتقنون فن تحريك الفكر وتفتيح العيون .الاجابات على اسئلة الأزمة ما زالت هى نفسها تراوح في نفس التأويلات المحدودة : الظروف الموضوعية المجافية ، شحة الموارد المالية ، البنية التنظيمية القديمة ،أزمة الديموقراطية الحزبية ، ضعف الخطاب الاجتماعي الديموقراطي ، غياب قطب يساري موحد .. الخ من مقاربات تأملية يتجه فيها النقد لعوامل الضعف والركودوليس لعوامل الازمة ، أي للعوامل الحاملة للضعف والتي تطورت لتصبح عوامل ادامة وتعميق للازمة ، ولكنها ليست هى كنه الازمة ومنطقها الداخلي .يقتضي التمهيد لتجاوز الازمة الانتقال من النظرة التأملية التي تختزل الاسباب بالنتائج الى النظرة النقدية التي تبحث عن النتائج في مقدماتها العميقة ، وفيباب المقدمات فاننا لا نستطيع إغماض العين عن وجود مشكلة نظرية هى المحدد لمظاهر الازمة التي كانت غير مرئية في مراحل الصعود الوطني واصبحت طاغيةومهيمنة بعد زلرال اوسلو وهزاته العنيفة التي كشفت حجم القطيعة بين القشرة الحداثية التي مثلها اليسار ومضمون بنية المجتمع وتراثه الذي بقى مخفيا ومكبوتاوبمنأى عن التفاعل والتواصل والدراسة والبحث والمراجعات النظرية .بصورة مباشرة تتكشف أزمة اليسار في أزمة مشروعه النظري ، وتتكشف ازمة مشروعهالنظري في القطيعة التي اقامها مع الواقع الذي ينتمي اليه . ان مشروع اليسار النظري لم يؤسس نفسه من خلال ورشة حوار ونقد مع الواقع ومعطياته وخبراتهالتاريخية ، وانما من خلال تبني منظومة نظرية جاهزة للتداول والتطبيق (الماركسية ) ، ولان المنظومة تلك هى في خاصيتها التاريخية فكر خصوصية التجربةالغربية ، وهى أكثر صلاحية لتحليل واقع الغرب ، فان الواقع المحلي اُجبر على الحشر المتعسف في قوالب وتخطيطات نظرية جامدة هى قوالب واقع غربي يختلف فيالبنية والهوية والسياق التاريخي عن نظيره الشرقي ، وإن كان يتقاطع معه في عدد من الخصائص العامة .هذا القطع مع الواقع بدل سجاله وتنظيره وبلورته في صيغ ومرجعيات نظرية تستجيب وتعبر عن تطلعات بشر يستطيعون ان يصنعوا تاريخهم بطريقتهم الخاصة ويستطيعون انيكتبوا تاريخهم ومستقبلهم بلغتهم الخاصة بهم ، هو الذي يفسر خلفيات الازمة الثاوية في المشروع اليساري ، وهو الذي يفسر استمرار مظاهر الازمة صعودا وهبوطا، كما يفسر انكشافها الحاد في اوقات الهزائم والاحباطات .وعليه ، فان صلاحية اى فكر لا تقاس بالمناقب الاخلاقية الرفيعة لاصحابه ،ولا بالشحنات الثورية والانسانية التي يشملها خطابه ، مع أهميتهما الرمزية والتعبوية ، وانما بعلاقة الترابط الذي ينسجها مع الواقع أولا ، ثم وعي هذاالواقع ثانيا ، ثم انتاج المفاهيم والشروط التي تتيح تغيير هذا الواقع ثالثا ، وفي اطار مثلث الترابط والوعي والتغيير ، فان التراث المكتوب والمشفوه والذييعيش بتلاوينه المختلفة في اذهان الناس هو مايجب ان يشكل المادة الخام لاعادة تصنيع الفكر اليساري ، بينما تستمد هذه الدعوة مبرراتها التاريخية والمنطقية، اي الدعوة الى اعادة بناء مشروع نظري لليسار يشتق اصوله ومبادئه من الذاكرة التراثية والقومية من فرضية اشتمال الموروث السامي الشرقي العربي على الموطنالأصلي لنظرية اليسار، كما من فرضية ان المبادئ اليسارية تستمد حيويتها ورسوخها من حيث كونها استمرارا ووريثا للقيم الانسانية والتراثية المتجذرةوالحية في عقول الملايين في اطار التمييز بين التاريخ والاسطورة ، كما في اطار تجديدها وعقلنتها ، وليس حذفها وازدرائها .والقول الفصل ان المشروع اليساري المفترض ان يكون لسان حال الاغلبية الصامتة ، وممثل مصالحها ليس أمامه الا اعادة اكتشاف نفسه في الذاكرة التراثية، وليس امامة طريق سوى تجديد نفسه بتجديد عمقه التراثي ، واعادة صياغة أحكامه ومبادئه وقيمه الوطنية والانسانية بالطريقة التي تجعله في اذهان الناس العاديينمفهوما ومقبولا ، وبالطريقة التي ُيبقي فيها حبل التناسل والتخاصب موصولا بين موروث تأثيراته عاصفة ويكتنز رسالات ثورية ومناهج عقلانية ويعيش في حاضرالناس وبين المعاصر الديموقراطي العدالي الانساني الذي تحلم به وتبحث عنه الأغلبية الساحقة من جماهيرنا المعذبة .

منقول عن موقع أرض كنعان