egyption1

الاثنين، سبتمبر ٠٤، ٢٠٠٦

الجيش الاسرائيلي بين حربي 1973 و ‏2006‏‏
إدوارد لوتفاك

«بروجيكت سانديكايت»

غداة حرب الغفران («رمضان»)، في تشرين الأول (أوكتوبر) 1973، ابتهج العالم العربي باهتزاز الأسطورة التي تزعم أن الجيش الاسرائيلي لا يقهر. فالجيش المصري اجتاز قناة السويس، وهاجم الجيش السوري الجولان. وحُمّل المسؤولون الاسرائيليون تبعة خسارة 3 آلاف جندي في حرب انتهت من غير نصر حاسم. وأدى التشكيك في كفاءة غولدا مائير، رئيسة الوزراء، وموشي دايان، وزير الدفاع، وديفيد اليعازر، قائد الاركان، ورئيس جهاز استخبارات الجيش، الى صرفهم وإقالتهم.
واقتضت العودة الى تقدير الحوادث والوقائع حق قدرها، بعض الوقت. والمفارقة أن القيادة المصرية والسورية بادرت الى العودة هذه، وسبقت القادة الاسرائيليين. وبينما كان المعلقون، باسرائيل وخارجها، ينعون خسارة التفوق العسكري الاسرائيلي أو يبتهجون بها، أقر الرئيسان المصري أنور السادات، والسوري، حافظ الأسد، أن بلديهما شارفا كارثة أقسى من كارثة 1967. وخلص الرئيسان الى فرض تجنب حرب جديدة. وهذا ما حمل السادات على انتهاج طريق السلام، وحمل الأسد، في 1974، على توقيع وقف نار بالجولان، والاتفاق هذا لم ينتهك مذ ذاك.

وفي حرب الغفران أخذت إسرائيل على حين غرة، ولم يؤل عمل الاستخبارات التأويل المناسب، بينما ساد البلد جو من الثقة المفرطة حاذى الغطرسة. وفي أكثر من موضع ترك من غير حماية، لم تقوَ الجبهة على الصمود. وكانت خطة المصريين العسكرية ممتازة، وقاتلوا جيداً. وتقدمت المدرعات السورية من غير تردد، وهاجمت القوات الاسرائيلية طوال ثلاثة أيام وثلاث ليال على شاكلة أمواج متعاقبة. وبعد 48 ساعة على بدء الحرب، بدت اسرائيل، على الجبهتين، قريبة من الهزيمة. ولكن انجاز تعبئة الجيش الاسرائيلي، وجاهزية فرق الاحتياط وهذه تبلغ 90 في المئة من عديد القوات المسلحة، أمكنت الاسرائيليين من التصدي للجيشين، المصري والسوري، وردهما. وبادر الجيش، من غير ابطاء، هجومه. وعندما وضعت الحرب أوزارها، كانت القوات الاسرائيلية على 100 كلم من القاهرة، و 30 كلم من دمشق. ولكن صدمة الهجوم المفاجئ، في أول الحرب، حجبت الانجاز، على نحو ما حجبته ردود الفعل الانفعالية، وحالت دون تبديد الظواهر الخادعة.

وتتجدد الظاهرة نفسها، اليوم، في تقويم حرب لبنان وتعليلها اللاحق. فلا مسوغ للدهشة من اختراق السلاح المضاد للدروع، الأكثر تطوراً، صفائح المدرعات الثقيلة والحصينة. والحق أن الدبابات الاسرائيلية حدت الخسائر المترتبة على المفاجأة. وقياساً على الأمر نفسه، تتعذر الحماية من الصواريخ القصيرة المدى والمزودة رؤوساً متفجرة صغيرة، على ما يدرك القاصي والداني. وقوة هذه الصواريخ لا تستحق انفاق بلايين الدولارات على أنظمة تسلح باللايزر ضخمة. ويماشي معلقون كثر قول الشيخ نصرالله أن «حزب الله» قاتل قتالاً تفوق شجاعته قتال جنود الجيوش النظامية العربية في الحروب السابقة. والحق أن المشاة المصريين، في 1973، صمدوا صموداً مشرفاً بوجه تقدم المدرعات الاسرائيلية وهجومها. وقاتل الجنود المصريون على أرض ومنكشفة، في الصحراء، ولم يحظوا بالمخابئ وجدران البيوت الحجرية التي احتمى بها «حزب الله».

ولا شك من وجه آخر، في أن خطة اسرائيل العسكرية كانت غير متماسكة. وأدى هذا الى ترتب دمار كبير على قصف الاهداف الدقيقة (ولكنه أدى الى مفعول رادع فلم تبدر من سورية بادرة رد). وعلى النحو نفسه، كانت تحركات الجيش الاسرائيلي البرية مترددة وغير حاسمة. ولم تطبق اسرائيل خطة جيدة سبق إعدادها. وكانت الخطة تقضي بتنسيق هجوم مثلث، بحري وجوي وبري، سريع ووراء خطوط الجبهة، على أن تلتف القوات على خطوط «حزب الله» الخلفية في مسيرها الى الحدود. وبقيت الخطة في الادراج. والسبب في تركها هو ضعف الخسائر المدنية الاسرائيلية، فالقيادة الاسرائيلية توقعت قصفاً كثيفاً بآلاف الصواريخ غير الدقيقة التصويت التي تعوض قوتها التدميرية ضعف تصويبها، وفي مستطاعها قتل مئات المدنيين يومياً. ولو صدق هذا التوقع، ونجم عن القصف الصاروخي وقوع مئات المدنيين قتلى، لجاز سياسياً القيام بعملية هجومية كبيرة تحشد فوق 45 ألف جندي وتؤدي الى مئات القتلى منهم.

ولكن «حزب الله» اختار بعثرة صواريخه، وقذائف مدفعيته في الميدان، وأوكل بها ميليشيا القرى. وحرصت هذه على حماية منصات الصواريخ وتخبئتها. ولم تفلح في تنسيق اطلاق كثيف ومجمع على الاهداف. واقتصرت خسائر الاسرائيليين على قتيل مدني أو اثنين في اليوم الواحد. وغداة ثلاثة اسابيع من الحرب، كانت المحصلة أقل من بعض العمليات الانتحارية. فلم يسوّغ الأمر، في نظر الجمهور الاسرائيلي والرأي العام، هجوماً كبيراً يؤدي الى سقوط جنود فتيان وآباء أسر، ولا يجتث «حزب الله»، وهو حركة سياسية وليس جيشاً أو ميليشياً وحسب. وعلى خلاف ياسر عرفات، يعول نصر الله على مساندة أهالي الجنوب. واضطلاعه بالمسؤولية عن الحرب دعاه الى تعجيل اعادة الاعمار. وقاعدة الحزب الشعبية هي، اليوم، رهينة نهجه، واستقامة هذا النهج. ولا يسعه، بعد هذا، المبادرة الى دورة عسكرية جديدة تفضي الى دمار عميم.

(خبير استراتيجي ومستشار عسكري في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن)، «بروجيكت سانديكايت»،