egyption1

الأربعاء، يناير ٢٤، ٢٠٠٧

انتخب اليسار

أميركا اللاتينية: انتخب اليسار
عمر كوش *
الثلاثاء 21 تشرين الثاني (نوفمبر) 2006
<انتخب اليسار>... تحت هذا الشعار عاد <دانيال أورتيغا> إلى رئاسة نيكاراغوا من جديد، وتحت نفس الشعار بدأت دول أميركا اللاتينية توجهها الجديد نحو الحرية والانفكاك من قبضة الولايات المتحدة. وعليه فإن الاستراتيجية الأميركية تواجه صعوبات حقيقية في ما كانت تسميه <حزامها الجنوبي> أو <حديقة أميركا الخلفية>. ومع فوز أورتيغا تتقدم قوى وحركات اليسار الجديد خطوة أخرى في دول أميركا اللاتينية عبر الممارسة الديموقراطية والاحتكام إلى صناديق الاقتراع. وبات السيار يتربع بالفعل على الحكم في كل من كوبا والأرجنتين وفنزويلا والبرازيل وشيلي وجمهورية الدومينيكان والأورغواي وبوليفيا.
وتحمل عودة أورتيغا للرئاسة مجدداً بعد 16 عاماً أكثر من معنى ومغزى، إذ سبق أن ترأس هذا الرجل حكومة <إعادة البناء الوطني> بعد انتصار الثورة الساندينية على نظام الدكتاتور <أناستيسيو سموزا> في نيكاراغوا عام .1979 وفي تشرين الثاني من عام 1984 انتخب أورتيغا رئيساً للبلاد، ولم تخفِ الولايات المتحدة الأميركية، في ذلك الوقت، معارضتها للنظام السانديني، بل عملت في السر والعلن على دعم جماعات الثورة المضادة النيكاراغوية، <الكونتراس>، بهدف إسقاطه، وتورطت إدارة <ريغان> في فضيحة <إيران غيت>. وكان أورتيغا قد خسر انتخابات ,1990 وتقبل مع رفاقه الساندينيين الهزيمة بكل هدوء. ولم يلجأوا إلى العنف، بل سلموا بما نطقت به صناديق الانتخابات، وكثفوا العمل في المجالين: المدني والسياسي، فنالوا بذلك وساماً رفيعاً لدى أبناء بلدهم، وكذلك فعلوا في انتخابات عام 1996 وعام ,2002 وظلوا يعدون جيداً أنفسهم للانتصار القادم، الذي نالوه بالرغم من تهديدات المسؤولين الأميركيين وتواعداتهم.
إذاً، لم يعد يشبه الزعيم الكوبي <فيدل كاسترو> ذلك الوحش المحاصر والمعزول في الحزام الأميركي الجنوبي، بل أصبح لديه حلفاء كثر في القارة كلها، ولا ينقصه سوى أن يكون ديموقراطياً كي ينتمي إلى الحركات الجديدة.
ويظهر تقدم اليسار الجديد في أميركا اللاتينية خلال السنوات العشر الأخيرة أن شعوب هذه القارة قد ضاقت ذرعاً بالسياسات والممارسات الأميركية، وعرفت جيداً أن اقتصاد السوق الحر، المنفلت من عقاله، وخصوصاً سياسات الخصخصة التي فرضت عليها بالقوة قد جلبت لها الفقر والويلات، حيث وصلت معدلات الفقر في أغلب دولها إلى معدلات غير معروفة من قبل، واتسعت الفجوات ما بين الأغنياء والفقراء بشكل مرعب. وعرفت حركات اليسار في أميركا اللاتينية كيف تخاطب شعوبها، فابتعدت عن الشعاراتية الفارغة والإيديولوجيا، وشكلت حولها حركة شعبية تكاد تكون قارية، تناهض توحش الليبرالية الجديدة والسياسة الأميركية، وتحملهما مسؤولية الويلات والأزمات الواسعة التي تعاني منها شعوب القارة.
ويطرح تقدم اليسار الجديد المناهض للسياسات الأميركية إشكاليات عديدة على العقل السياسي الاميركي، الذي يتوجب عليه الخروج من تأثيرات ردات الفعل على ضربة 11 سبتمبر 2001 التي سجنته في نسق التفكير الأصولي للمحافظين الجدد، وأن يخرج عن النهج الخاطئ الذي مارسه خلال السنوات الأخيرة في معالجة الأزمات الدولية. مع أن الولايات المتحدة الأميركية ما زالت تتحكم في عناصر التفوق الاستراتيجي، رغم تناقص قدراتها كنموذج قادر على الاستقطاب العالمي.
بالمقابل، فإن السؤال المطروح علينا الديمقراطيين وحركات اليسار في البلدان العربية، هو: هل يمكن لحركات اليسار الجديد في أميركا اللاتينية أن تقدم لنا أمثلة، وخاصة أننا نعاني أوضاعاً داخلية مزرية، يختلط فيها الاستبداد بفشل برامج التنمية، وضغوطات ومخططات أميركية مرفقة بدعوات تقول لنا: عليكم أن تتبعوا ما نمليه عليكم، وأن تبدلوا أفكاركم، وتبدلوا السلوكيات والتعاليم، وأن تغيروا كل شيء خضوعاً لرغبة الهيمنة الأميركية ووتوظيفاتها التي تخدم مصالحها ومصالح إسرائيل في المنطقة؟ في هذا المجال، يمكن القول إن المثال الذي تقدمه الحركات الشعبية التي شهدتها، وتشهدها، أميركا اللاتينية بزخم كبير، ولم يشهدها العالم من قبل، هو أن بإمكان الشعوب أن تقول للولايات المتحدة الأميركية: لا لسياسات الغطرسة، لا للإملاءات، لا لسياسيات الفرض والهيمنة. وقد التقطت حركات اليسار الجديد في أميركا اللاتينية هذه المعطيات لتشكل كتلة انتخابية منظمة، قادرة على التغيير الديموقراطي. وهو مثال مفيد لنا في البلدان العربية، وخصوصاً أننا تعوّدنا على النخبوية والتعالي، وعلى الخنوع والخضوع لحكام ولأنظمة لم تقدم أي نجاح في أي مجال كان، بل باتت تقودنا من فشل إلى فشل، مع استمرار حالات الاعتقال التعسفي والأحكام العرفية وقوانين الطوارئ ومصادرة الحريات العامة والفردية، وفشل برامج التنمية، وتفاقم التردي والاحتقان في الحالات الاجتماعية، وفي الوضع المعيشي.
ومع ذلك ما زلنا نصبر، وننتظر الحركات التي تقود الحراك السياسي، والتي تنادي بالتغيير والإنقاذ، لكنها لم تستطع إلى اليوم أن تجد الصيغة التي تخاطب بها الجماهير وتتحسس مشاكلهم بعمق، فيما استطاعت حركات اليسار والحركات الاجتماعية التي نشأت في أميركا اللاتينية أن تخاطب المواطن، وتشعره بأنها تقف معه، من أجل حياته ومستقبله، ومن أجل أن ترتقي بوضعه الاجتماعي، وتقف في الوقت ذاته ضد سياسيات العولمة التي تريدها الولايات المتحدة الأميركية، وضد سياسات حكام الداخل الذين ارتهنوا للغرب ولخدمة المصالح الأميركية. وفي كل ذلك كانت الديموقراطية هي المدخل للتغيير، لكن هذا المدخل يحتاج إلى قوة جماهيرية منظمة تستطيع أن تسير بالتغيير الديموقراطي، وإلا فلا يمكن أن يكون هناك أي تغيير.
(*) كاتب سوري